فصل: فصل في مقدار طول الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل في أنه كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ للصلاةِ يَسْتَفْتِحُ:

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ للصلاةِ يَسْتَفْتِحُ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيَهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بَالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ». رواهُ الْجَمَاعَةُ إلا الترمِذي.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلا إِلَهَ غَيْرَكَ». رواهُ أبو دَاودَ، والدَّارَقُطْنِي.
وَكَانَ يَتَعَوَّذُ قبلَ الْقِرَاءةِ في الرَّكعةِ الأولَى بعدَ الاستفتاحِ فَعَنْ أبِي سعيدٍ الْخُدَريّ عَنْ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كانَ إِذَا قامَ إلى الصلاةِ استفتحَ ثم يَقُول: «أُعوذُ باللهِ السَّميع الْعَليمِ مِن الشيطان الرجيمِ مِنْ هَمْزِه وَنَفْخِِهِ وَنَفْثِه». رَواه أحمدُ، والتِّرمِذيّ.
وَقَالَ ابنُ الْمُنْذِرِ جَاءَ عَنْ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقَراءةِ «أعوذُ باللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدريّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ في الرَّكَعَتَيْنِ الأَوْلَيَيْنِ في كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيةً وَفِي الأَخَريَيْنٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَر آيةً، أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكعَتَيْنِ الأَوْليينِ فِي كل رَكعةٍ قَدْرُ خَمْسَ عَشْرَة آيةً، وَفِي الأَخْرَيَيْنِ قدرَ نِصْفِ ذلكَ. رواهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ جُبير بن مُطْعِمٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرْأَ في الْمَغْربِ بالطُّورِ. رواهُ الْجَماعةُ إلا الترمِذيّ.
وَعَنْ ابنِ عبَّاسٍِ أَنَّ أَمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأ: والْمُرْسَلاتِ عُرْفًا فَقَالَتْ: يا بُنَيَّ لَقْد ذَكَّرْتَنِي بِقرائَتِكَ هَذِهِ السُّوَرَةَ إِنَّها لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. رواهُ الْجَمَاعَةُ إلا ابنُ مَاجَة.
وَقَالَ أبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرجلُ فَيُعْرِفُ جَليسَهُ، وكان يَقرأُ في الركعتينِ أو أحَدِهِمَا مَا بَيْنَ السَّتِينَ إِلى الْمائةِ. متفقٌ على صِحَّتِهِ.
وَفِي صَحيح مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.
وَرَوى النِّسائِيّ من حَديثِ ابنِ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأَ في المغربِ بالدُّخانِ.
وفي صَحيحِ مسلمٍ من حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: كَانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى.
وَقَالَ أَبُو سَعيدٍ الْخُدري كُنَّا نَحْرِزُ قِيامَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهرِ والعصرِ فَحَزَرْنَا قيامَه في الركعتَيْنِ الأوْلَيَيْنِ مِن الظُّهْرِ قدرَ {الم * تنزيل} السَّجْدة.
وَحَرزنَا قيامَه في الأخريينِ قدرَ النصفِ من ذلكَ وحزرنَا قيامَه في الركعتين الأوْلَيَينِ من الْعَصْرِ على النَّصفِ مِنْ ذلك.
وفي روايةٍ بَدَلَ قولِه تنزيلُ السجدةِ قدرَ ثلاثينَ آيةً، وفي الأخْرَيَيْنِ قدرَ خَمْسَةَ عَشَرَ آيةَ وفي الْعَصْرِ في الركعتين الأوْلَيَيْنِ في كُلِّ رَكْعةٍ قَدَر خَمسةَ عَشرةَ وفي الأخْرَيَينِ قَدَر نِصفِ ذَلِكَ.
وَفِي سُننِ النَّسَائِي عَنْ الْبَرَّاءِ قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنا الظهرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الآية من سُورَةِ لِقْمَانَ والذَّارِياتِ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّة مِن فَقْهِهِ فَأطِيلُوا الصَّلاةَ واقْصِرُوا الْخطبة». وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الصَّلاةُ فيهِ طَويلَةٌ والْخطبة فِيهِ قَصِيرَةُ وَعُلمَاؤُه كَثيرٌ وَخُطَبَاؤُه قَليلٌ وَسَيَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمانٌ الصَّلاةُ فيهِ قصيرةٌ والْخُطبةُ فيهِ طويلةٌ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَاري، وأَبُو دَاودَ، والترمِذي مِن حَديثِ زَيْدٍ بن ثابتٍ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في المغربِ بُطُولَى الطُّولَيَيْنِ.
زادَ أبو داودَ قلتُ: ومَا طُولَى الطوليين؟ قَالَ: الأَعْرَافُ. قالَ الْحَافظُ في الفتح: إنهُ حَصلَ الاتفاقُ على تفسيرِ الطُّولَى: بالأعراف.
وَعَنْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَنسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأبو داودَ، والنَّسائِي.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، والنسائي.
وَرواهُ من حَدِيثِ ابنِ أبي أوفى وزادَ فيهِ بعدَ قولِهِ منْ شَيءٍ بَعْدُ اللَّهُمَّ طَهرنِي بالثَّلجِ والبَردِ والماءِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ والْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِن الدَّنَسِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نسألكَ العافية في الدُّنيا والآخرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفَو والْعَافيةَ في دِيننَا ودُنيانَا وآخِرتنَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُر عَوراتِنا وَأَمنِ روعاتِنا واحْفَظنا مِن بين أيدينا ومنِ خَلفنا وَعن أيمانِنَا وعن شَمائِلنا ومن فَوقِنا ونَعُوذ بعَظمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ من تَحْتِنا واغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا واستر عُيُوبَنَا واكْشِفْ كُرُوبَنَا وأصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وألِّفْ في طاعَتِكَ وَطَاعةِ رَسُولِكِ بَيْنَ قُلُوبنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في مقدار طول الصلاة:

وفِي الْمُسْند من حديثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ صَلاتَه؟ قَالَ: «لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا»، أَوْ قَالَ: «لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ». فَصَرَّحَ بأنهُ أسْوأ حالاً مِنْ سَارِقِ الأَمْوالِ.
وفِي الْمُسْند من حديثِ سالمٍ عن أبي الْجَعْدِ عن سَلْمَانَ هُو الْفَارسي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلاةُ مكيالٌ فمَن وفَى وُفيَّ له ومَنْ طَفَّفَ فقدْ علمتُم ما قالَ اللهُ في الْمُطَفِّفِينَ».
وقالَ ابنُ الْقيمِ رحمهُ اللهُ: والإيجازُ هو الذي كانَ يَفْعَلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا الإِيجازُ الذي كان يَظَتنهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلى مِقْدارِ صَلاتِهِ فإنَّ الإِيجَازَ أَمرٌ نَسبِيّ إِضَافِي راجِعٌ إلى السُّنَّةِ لا إلى شَهوةِ الإِمَامِ وَمَنْ خلفَهُ.
فَلمَّا كانَ يقرأُ في الْفَجْرِ بالسِّتينَ إلى الْمائةَ كَان هَذا الإِيجَازُ بالنِّسْبَةِ إلى سِتِّماتةٍ إلى ألفٍ ولَمَّا قرأ في المغربِ بالأعْرَافِ كَان هَذا الإِيجازُ بالنِّسْبَةِ إلى الْبَقَرةِ.
وَيَدُلُّ عَلى هَذا أَنَّ أنسًا نفسه قَال في الْحَدِيثِ الذي رَواهُ أبو داودَ، والنسائِي مِنْ حَديثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَيْسَانَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ وَهْبِ بْنِ مَأنُوسَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ.
وأنسٌ أَيْضًا هُو الْقَائلُ في الْحَدِيثِ الْمُتَّفقِ عليهِ: إني لا آلُو أن أُصلِّي بكمُ كَما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا.
قالَ ثابتٌ: كانَ أَنسٌ يصنعُ شيئًا لا أراكُم تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رأسَه مِن الركوعِ انتصبَ قائمًا حَتَّى يَقُول الْقَائلُ: قد نَسِيَ.
وإِذَا رفَع رأسَه مِنْ السَّجْدةِ مَكَثَ حَتَّى يَقُول الْقَائلُ: قد نَسِيَ.
وَأنسٌ هُوَ الْقائلُ هذَا، وهُوَ الْقَائلُ: مَا صليتُ وراءَ إمامٍ أَخفَّ صلاةً ولا أَتمَّ صلاةً مِنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديثُه لا يُكَذِّبُ بعضُه بَعْضًا.
وَمِمَّا يُبَينُ مَا ذَكَرنَاهُ مَا رَواهُ أبو دَاودَ في سُننِه من حَديثِ حَمَّادِ بن سَلمةَ أَخبرَنا ثابتُ وَحُميدُ عَنْ أَنسِ بن مالكٍ قَالَ: ما صَلْيتُ خَلفَ رجلٍ أَوجَز صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَامٍ.
وَكَانَ رَسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». قامَ حتى نقولَ قَدْ أَوْهِمَ فَجَمَعَ أنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في هَذا الْحَديثِ الصَّحِيح بَيْن الأخبارِ بإِيجَازِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ وإِتْمَامِهَا وَبَيَّنَ فِيهِ أَن مِنْ إِتْمَامِهَا الذِّي أَخْبَرَ بِهِ إِطَالَةُ الاعتدَالينِ حَتَّى يَظُنُّ الظانُّ أَنَّهُ قَدْ أَوْهَمَ أَوْ نَسِيَ مِنْ شِدَّةِ الطُّولِ.
وَفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ الْبَراءِ بن عازبٍ قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعْ مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ قِيامَه فَرَكْعتَه فاعْتِدَالِهِ بَعدَ الركوعِ فسجدَتَه فجلسَتَه بين السَّجْدَتِينِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التسليمِ والانْصِرَافِ قريبًا مِن السَّواءِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إِذَا عَرِقَ الْجَبينُ وكَثُرَ الأنينُ وأَيِسَ مِنَّا الْقَريبُ والطبيبُ وَبكى عَلَيْنَا الصديقُ والحبيبُ وَارحَمْنَا يَا مَولانَا إِذَا وَارانَا التُّرابُ وَوَدَّعَنَا الأحْبَابُ وَفَارَقْنَا النَّعِيمَ وانقطَع عَنَّا النَّسِيم، وَاغْفِرْ لَنَا ولِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ تَشهْدَ عَلَيْنَا الْجَوَارِحَ وَنَبِّهْنَا مِنْ رَقَدَاتِ الغفلاتِ وَسَامِحْنَا فَأَنْتَ الْحَلِيمُ الْمُسَامِحُ وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعْنَا فَمِنْكَ الْفَضْلُ والْمَنَائِحُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ أن ذَكرَ الْمُسْرعينَ فيها الذينَ يَمُرُّونَ فِيهَا مَرَّ السهمِ: وهَذَا كُله تلاعبٌ بالصَّلاةِ، وَتَعْطِيلٌ لهَا وخِدَاعٌ مِنْ الشيطانِ وخلافٌ لأمِر اللهِ ورسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ تعالى: {أَقِيمُواْ الصَّلاةَ} فَأَمَرَنَا بإقامَتِهَا وَهُوَ الإِتْيَانُ بِهَا قائِمَةً تَامةَ القيامِ والركوعِ والسُّجودِ والأذكَارِ.
وَقَدْ عَلَّقَ سُبحانَهُ الْفَلاحَ بَخُشُوعِ الْمُصَلِّي فِي صَلاتِه فَمَنْ فَاتَهُ خُشُوعُ الصَّلاةِ لَمْ يَكُنْ من أهلِ الْفَلاحِ وَيَسْتَحِيلُ حُصُولُ الْخُشوعِ مَعَ الْعَجَلَةِ والنَّقْرِ قَطْعًا بل لا يَحْصُلُ الْخُشُوعُ إلا مَعَ الطُّمَأنينةِ وَكُلَّما زادَتْ الطمأنينةُ ازدَاد خُشُوعًا وَكُلمَا قلَّ خُشوعُه اشتدَتْ عَجَلَتُه حَتَّى تَصيْرَ حَرَكةُ يديهِ بِمَنْزِلَةِ العَبَث الذي لا يَصْحَبُه خُشوعٌ ولا إقبالٌ على العُبُوديةِ، ولا معرفةُ حَقِيقةِ العبوديةِ.
واللهُ سُبْحَانَه قَد قَالَ: {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، وَقَالَ: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ}، وَقَالَ: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ}، وقالَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ}، وقَالَ لِمُوسَى: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} فلنَ تُكادُ تَجدُ ذِكْر الصلاةِ في مَوْضُوعٍ مِنْ التَّنْزِيلِ إلا مقرونًا بإقامَتِهَا.
فَالمُصَلُّونَ في الناس قَليلٌ ومُقيمُ الصلاةِ مِنهُم أقلُّ القليلِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الحاجُّ قليلٌ والرَّاكِبُ كَثيرٌ، فالعَامِلونَ يعملونَ الأعمال المأمُورِ بِهَا على التَّرويجِ تَحِلَّهَ القَسَمِ وَيقولونَ: يَكْفينا أدنَى ما يقعُ عليه الأَسمُ ولَيْتَنَا نأتي به.
ولو عَلِمَ هَؤلاءِ أنَّ المَلائكةَ تَصْعدُ بصلاتهمْ فتَعرضُها على الرّبِّ جلَّ وعلاَ بمنْزِلةَ الهَدَايَا التِّي يتقرّبُ بِهَا النّاسُ إلى مُلوكِهمْ وكُبرائِهم، فليسَ مَنْ عَمِدَ إِلى أَفْضلِ مَا يَقْدرُ عليهِ فَيُزَيّنه، ويُحسّنهُ، ما استطاعَ ثم يَتَقَرَّبُ به إلى مَنْ يَرجُوهُ، وَيَخَافُه، كَمَنْ يَعْمِدُ إلى أَسْقَطِ مَا عِنْدَهُ وَأهونِهِ عليهِ فَلْيَسْتَرِيح مِنْه وَيَبْعَثه إلى مَنْ لاَ يَقَعُ عِنْدَهُ بِمَوْقِع.
وَليسَ مَنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ رَبيعًا لِقَلْبِهِ، وَحَياةً لَهُ، وَرَاحَةً وَقُرَّةً لِعَيْنِهِ، وَجَلاَءً لِحُزْنِهِ وَذَهَابًا لِهَمِّهِ وَغَمِّهِ، وَمَفْزَعًا لَهُ في نوائِبِهِ وَنوَازِلِهِ، كَمَن هِي سِجْنٌ لِقَلْبِهِ، وَقَيْدٌ لِجَوَارِحِهِ، وَتَكْلِيفٌ لَهُ، وَثقلٌ عَلَيهِ، فَهِيَ كَبِيرَةٌ عَلَى هَذَا وَقُرَّة عَينٍ وَرَاحَةٌ لِذَلِكَ.
وَقَالَ تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فإنمَّا كبُرَت على غير هؤلاء لخُلُّو قُلُوبهم مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى وَتْكبِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ والخُشُوعِ لَهُ وَقِلَّةِ رَغبَتِهِمْ فيهِ فَإنَّ حُضُورَ العَبْدِ في الصَّلاةِ وَخُشُوعُهُ فِيهَا وَتَكْمِيلُهُ لَهَا واسْتِفْرَاغُهُ وُسْعَهُ فِي إِقَامَتِهَا وَإِتْمَامِهَا عَلَى قَدْرِ رَغْبَتِهِ في اللهِ.
قَالَ الإمامُ أحمدُ: في رواية مُهَنَّا بن يَحْيَى: إِنَّمَا حَظُّهُمْ مِنَ الإسلامِ عَلى قدرِ حَظهمِ مِنَ الصلاةِ، وَرغبتهِم في الإسلامِ عَلى قدر رغبتِهِم في الصلاةِ فَاعْرَفْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ وَاحْذَرْ أَنْ تَلْقَى اللهَ عزَّ وَجلَّ وَلاَ قَدْرَ لِلإسْلامِ عِندَكَ فَإنَّ قَدْرَ الإِسْلامِ في قَلْبِكَ كَقَدْرِِ الصَّلاةِ في قَلْبِكَ.

.فصل في وظائف الصلاة الظاهرة وحقيقتها الباطنة:

فأما صُورتُها الظاهرة في القيام والقراءة ُوالركوعُ والسجودُ وَنحو ذلك مِن وظائف الصلاة الظاهرة.
وأما حقيقتُها الباطنةُ فمِثلُ الخشوع والإخباتِ وحُضُورِ القلبِ وكمال الإخلاصِ.
مَنْ لَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا لِلهِ في العَمَلِ ** فَلَيْسَ يَنْفَعُهُ قَوْلٌ وَلاَ عَمَلُ

والتدبر والتفهم لمعاني القراءة ومعاني التسبيح ونحو ذلك من وظائف الصلاة الباطنة.
فظاهر الصلاة حفظ البدن والجوارح وباطن الصلاة حفظ القلب.
ومن المحافظة على الصلاة والإقامة لها كمال الطهارة والاحتياط في البدن والثوب والمكان.
قال عليه الصلاة والسلام: «الطهور شطر الإيمان» وفي الحديث الآخر: «الطهور مفتاح الصلاة وإسباغ الوضوء وتثليثه من غير وسوسة ولا إسراف».
فإن الوَسْوَسَةَ في الطهارة والصلاة من عمل الشيطان يُلَبِّسُ بها على مَن ضَعُف عقلهُ وقَلَّ علمه.
وقد وردت الأحاديث الصحيحة: «أن مَن توضأ فَأَحْسَنَ الوضوء خَرجَتْ خطاياه مِن أعضائه ودخل في الصلاة نقيًا من الذنوب».
ومن المحافظة على الصلاة والإقَامَة لها المبادرة بها في أول مَوَاقِيتها وفي ذلك فضلٌ وأجر عظيم.
وهو دليل على محبة العبد لربه وعلى المسارعة في مرضاته ومحابه قال صلى الله عليه وسلم: «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله».
وقبيح بالمؤمن العاقل أن يدخل عليه وقت الصلاة وهو على شغل من أشغال الدنيا فلا يتركه ويقوم إلى فريضة الله التي كتبها الله عليه فيؤديها.
وما يفعل ذلك إلا من عظمت غفلته وقلَّت معرفته بالله وعظمته وضعُفتْ رَغبته فيما أعَدّ الله لأوليائه في الدار الآخرة.
وأما تأخيرها عن وقْتها فلا يَجُوزُ وفيه إثم عظيم.
ومِن المحافظة على الصلاة والإقامة لها: الخشوع وحُضور القلب وتدبرُ القِراءة وفهمُ مَعَانيها واسْتشعارُ الخُضُوعِ والتواضُعِ لله عند الركوع والسجود.
وامْتِلاَءُ القلب بتعظيم الله وإجلاله وتقديسه عند التكبير والتسبيح وجميع أجْزَاءِ الصلاة.
والحرص والاجتهاد في دفع الخواطر والهواجيس في شؤون الدنيا والإعراض عند حديث النفس في ذلك.
ويكون همه في الصلاة وحُسنُ تأدِيتِهَا كما أمر الله. فإن الصلاة مع الغفلة وعدم الخشوع والحضور قليلة الجدْوَى.
فاجتهد في تدَبُّر ما تقول من كلام ربك واحرص على الطمأنينة فيها.
فإن الذي لا يتم الركوع والسجود في الصلاة سارق لها كما ورد في الحديث وورد أن من حافظ عليها وأتمها تخرج بيضاء تقول: حفظك الله كما حفظتني. والذي لا يتم الصلاة تخرج سَوْدَاءَ مُظْلِمة تقولُ: ضَيَّعَكَ الله كما ضَيَّعْتَني ثم تُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوبُ الخَلَق فيضربُ بِها وجْهُهُ.
رأَى رَجُلٌ حَاتم الأصم واقفًا يَعِظُ النَّاسَ فقال: يا حاتَمُ أرَاكَ تَعظُ الناسَ أَفَتُحْسِنُ أَنْ تُصَلي؟ قَالَ: نعم. قال: كيف تُصَلي؟ قال: أقومُ بالأمرِ وأمْشِي بالسَّكِينَة وأدْخُل بالْهِيبَة وأُكَبِّرُ بالْعَظَمَةِ وأقرأ بالترتيل واجْلِسُ للتشهد بالتمام وأسلم على السنة وأسَلِمُهَا إلى ربي وأحْفَظُها أيامَ حَياتي وأرْجِعُ باللَّومِ على نفسِي وأخَافُ أن لا تُقْبَلَ منِّي وأرجُو أن تُقْبَلَ منِّي وَأَنَا بَيْنَ الرَّجَا والْخَوف وأشكر مَن عَلَّمَني وَأَعَلِّمُ مَن سَألنِي وأحمدُ رَبي إذ هَدَاني.
اللَّهُمَّ اكْتُبْ في قُلُوبِنَا الإِيمانَ وأيِّدْنَا مِنْكَ يا نُورَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ اللَّهُمَّ وافْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ الْقَبُولِ والإِجَابَةِ واغْفِرْ لَنَا وارحمنا برحمتك اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الأَبْرَارِ واجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُصْطَفِينَ الأَخْيَارِ، وامْنُنْ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ والْعِتْقِ مِن النَّار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.